يُعد عبد الله المغيرة أحد الشخصيات النجدية التي كان لها حضور في الوثائق العثمانية، وتداول اسمه كثير من الباحثين كمؤرخ ومثقف ومهاجر إلى البصرة واسطنبول ومصر وتقديمه خدمات إلى الدولة العثمانية قبل عشرات العقود، واعتبره الباحثون بأنه كان مطلعا على السياسة الدولية وعلاقات الدول بعضها مع بعض، والنزاعات السياسية في مختلف مناطق الجزيرة العربية والخليج العربي، كما يملك خبرة بأوضاع منطقة نجد والجزيرة العربية والخليج وسياسات الإنجليز في المنطقة، مما يعني أنه يتمتع بحذق سياسي واطلاع واسع على الأوضاع في المنطقة إبان حكم الدولة العثمانية، ونال حظوة عند الصدر الأعظم، وحصل على مرتبة وظيفية مهمة في اسطنبول، كما صدر مرسوم سلطاني عثماني لمنح المغيرة امتياز صحيفة أسبوعية عربية تحمل اسم «المنبه»، لكن الصحيفة أوقفت أثناء إرسال العدد الأول منها إلى المطبعة.
ورغم الخدمات التي قدمها المغيرة للدولة العثمانية من خلال الأعمال التي تقلدها والمكاتبات التي تتم بينه وبين الصدر الأعظم من دون وسيط، وهو أمر مخالف للتراتبية والتسلسل الإداري المتبع في الدوائر الرسمية في الدولة العثمانية، إلا أن المغيرة غيّر موقفه تجاه الدولة العثمانية، مع ملاحظة أن إحدى الوثائق العثمانية أشارت إلى أن المغيرة كان له توجه بخصوص القيام بتمرد في وجه الدولة العثمانية، ووجد تحذيرا من أحمد مختار باشا المفتش فوق العادة للدولة العثمانية في مصر والطلب من السلطات رصد حركاته وسكناته لأنه مرسل من لدُن الإنجليز.
ورغم الغموض الذي أحيط بحياة عبد الله المغيرة، إلا أن رحيله قبل 72 عاما، وإيراد صحيفة «أم القرى» بخبر وفاته وإشارتها إلى رحلاته المتعددة ومؤلفاته القيّمة، إضافة إلى ذكر مجلة «المنهل» لرحلاته ونشاطه العلمي والإداري واجتماعه بالملك المؤسس ثم عودته إلى مصر التي بقي فيها إلى أن توفي، رغم كل ذلك فإن عبد الله المغيرة سيبقى شخصية مثيرة تستحق الدراسة والبحث، وهو ما دفع الدكتور سهيل صابان الباحث التركي المتخصص في التوثيق العثماني لتاريخ الجزيرة العربية، وعضو هيئة التدريس بقسم التاريخ في كلية الآداب في جامعة الملك سعود، إلى أن يسبر أغوار الرجل ويبحث عن شخصيته واعماله والخدمات التي قدمها للدولة العثمانية وسر انقلابه عليها وذلك من خلال وثائق الأرشيف العثماني التي تناول بعضها أوضاعاً ثقافية ودينية وورد فيها إشارات مهمة لعبد الله المغيرة، بعد إخراج هذه الوثائق من رفوف نسيان الأرشيف وقدمها ضمن فصول كتابه (من تاريخ الجزيرة العربية الحديث - بحوث ودراسات من الأرشيف العثماني)، الذي صدر هذا العام من مكتبة الملك فهد الوطنية.
بدأ الباحث حديثه عن عبد الله المغيرة في وثائق الأرشيف العثماني بالإشارة إلى أنه قد لفت نظره وثيقة عثمانية ضمن تلك المجموعة من الوثائق العثمانية المحفوظة بدارة الملك عبد العزيز بالرياض، حيث أشارت إلى أن شخصاً نجدياً يُدعى عبد الله المغيري، توجه مع طالب أزهري إلى جيبوتي ليجتمعا بأمير دارين محمد بن عبد الوهاب الفيحاني (توفي عام 1906، من أهالي قرية الفاربة التابعة لقطر وهاجر إلى البحرين ثم دارين في جزيرة تاروت وقام بتشييد العمران في الجزيرة). ولينطلقا من هناك إلى الأحساء والقطيف، ومن ثم إلى الكويت، لتوزيع كتاب «طبائع الاستبداد»، للكواكبي، الذي كان بحوزة عبد الله المغيرة مائة نسخة منه، لتوزيعها على الأهالي في نجد، بغية القيام بتمرد في وجه الدولة العثمانية. وفي هذه الوثيقة نصّ الخطاب الذي بعث به الممثل فوق العادة للدولة العثمانية في مصر إلى الباب العالي في 25 ذي الحجة 1320هـ/ 1902، وقد ذكرت وثيقة أخرى أنه توجه إلى البصرة ونجد للقيام بأعمال خاصة، حيث أفيد أنه مرسل من لدن الإنجليز مما يتطلب ترصد حركاته وسكناته مشيراً الباحث الى انه وفي أثناء البحث عن هذه الشخصية، سألني بعض الباحثين إن كان في الأرشيف العثماني معلومات عن عبد الله المغيرة، فكثفت بحثي عنه، ثم انكشف لي أثناء عملي في تصنيف الوثائق العثمانية الجديدة التي تصل تباعا إلى الدارة من الأرشيف العثماني باسطنبول، أن هناك وثائق أخرى عن المترجم له في الأرشيف، تختلف تمام الاختلاف عن المعلومات الأولى التي سبق أن جمعتها، وهذه المعلومات تشكل تصحيحاً لبعض المعلومات المنشورة عن المذكور في ما بعد. ومن مجموع تلك الوثائق تشكل هذا البحث، الذي يتناول سيرته واللوائح التي قدمها إلى الحكومة العثمانية وثقافته. ومما يجدر ذكره هنا، أن المعلومات الواردة عنه في وثائق الأرشيف العثماني، وقدمها المغيرة إلى الباب العالي، تختلف عما يتداوله بعض الباحثين.
وعن سيرة المغيرة، ذكر الباحث الدكتور صابان أن الوثائق العثمانية أشارت إلى الخطابات التي قدمها عبد الله المغيرة إلى الباب العالي باللغة العثمانية بمختلف التواريخ، وأوردت عنه بعض المعلومات، حيث نسبته إلى أشراف نجد، وذكرت أن أسرة آل مغيرة التي ينتسب إليها هي التي تدير شؤون بلاد الأفلاج، وأن هذه الأسرة تقيم أحياناً في بلدة ليلى، وأحياناً أخرى في بلدة البديع، وذلك على لسان المترجم له.
* رتبة ومرسوم سلطاني لإصدار صحيفة
* وبناء على ما أوردته الوثيقة العثمانية عما ذكرته من معلومات عن عبد الله المغيرة، الذي قدم خطابا إلى الباب العالي، ذكر فيه أنه هاجر إلى البصرة في عام 1295هـ/ 1878، ضمن من هاجر مع الأمير عبد الله بن عبد الله بن ثنيان آل سعود، وأنه مكث فترة في العراق لإخراج بعض الأراضي المكتومة التابعة للدولة إلى حيز الوجود. وهذا القيد يفيد أنه اشتغل مدة سنتين تقريبا في هذا الأمر، حتى استطاع إخراج تلك الأراضي من طي الكتمان وتسجيلها في الأملاك السلطانية، ثم توجه في عام 1297هـ/ 1880، إلى مكة المكرمة بعد أن حصّل موافقة والي بغداد، ومنها إلى اسطنبول عن طريق مصر، وذكر أنه مكث في اسطنبول في ضيافة السلطان في المابين الهمايوني مدة ثلاث سنوات.
ولما عُين عبد الله بن عبد الله بن ثنيان عضوا في مجلس الشورى بالدولة العثمانية، برتبة أمير أمراء الروملي الرفيعة، مُنح عبد الله المغيرة أيضا الرتبة الرابعة التي رفعت في ما بعد إلى الثالثة، وهذا يدل أنه كان بمعية ابن ثنيان طوال فترة بقائه في اسطنبول.
وخلال إقامته في اسطنبول طلب عبد الله المغيرة منحه امتياز اصدار صحيفة أسبوعية عربية فيها، سماها «المنبه». وقد صدر المرسوم السلطاني بذلك، فقام بصرف المبالغ الأولية اللازمة عليها، وأعد العدد الأول منها، وأرسله إلى المطبعة. إلا أنه أشار في خطاب التظلم الذي رفعه إلى السلطان العثماني أن إدارة المطبوعات قامت بإيقاف الصحيفة، ولما لم يجد سبباً موجباً لذلك الإغلاق، تبين له في ما بعد أن بعض أصحاب الأغراض قاموا بعرض الموضوع على السلطان بخلاف الحقيقة، وذلك خوفا من إلحاق الضرر بمصالحهم إذا صدرت الصحيفة، كما ذكرها، مشيرا إلى أنه خاف من رفع الأمر إلى السلطان حتى لا يلحق به أصحاب الأغراض أذى.
ويبدو ـ كما يتضح من الخطاب الذي أرسله في ما بعد إلى الباب العالي ـ أنه رجع إلى البصرة عام 1882م، وذكر أنه أثناء مكوثه في البصرة عرض «على السلطان الجداول الخاصة بالأراضي المكتومة في المنتفق، وذلك في شهر ذي الحجة من عام سبتمبر 1886م، وتم تسجيلها في الخزينة الخاصة السلطانية، وتحقق بذلك العديد من الفوائد»، وهذه هي المرة الثانية التي يشتغل فيها بالأراضي المكتومة.
وفي الاستدعاء الذي رفعه عبد الله المغيرة إلى الصدر الأعظم المتضمن طلبه تحويل رتبة التدريس الممنوحة له إلى الرتبة الثالثة الإدارية، والذي حوله الصدر الأعظم بدوره إلى شيخ الإسلام بتاريخ مايو 1888م، فقد صدر المرسوم السلطاني بالموافقة على ذلك في أكتوبر 1888م.
وعلى الرغم مما قدمه من الخدمات إلى الدولة العثمانية، وطلبه الحصول على وظيفة رسمية بعد رجوعه إلى البصرة، وصدور الموافقة بتوظيفه في البصرة، إلا أن نظارة الأوقاف لم تجد له وظيفة شاغرة مناسبة، يشتغل فيها، كما اتضح ذلك من كلامه الذي أورده في نهاية خطابه إلى الباب العالي، والذي أشار فيه أيضا إلى أن وضعه المعيشي مزر، وأنه بحاجة إلى تخصيص راتب يعيش به.
فهذه هي المرحلة الأولى من حياة عبد الله المغيرة في تعامله مع الدولة العثمانية، أما المرحلة الثانية، فلا تتحدث عنها الوثائق التي اطلع الباحث عليها، سوى ما دوّنه (أي الباحث) في ديباجة هذا المقال من أنه: نجدي، مقيم في مصر، توجه مع طالب أزهري إلى نجد، لتوزيع كتاب الكواكبي «طبائع الاستبداد» على الأهالي لتأليب الرأي العام على الدولة العثمانية في المنطقة، مما ينبغي ترصد حركاته، أما ما عدا ذلك من المعلومات، لا سيما الأمر الذي أدى به إلى تغيير موقفه من الدولة العثمانية، بعد أن بقي مدة ثلاث عشرة سنة ـ على أقل تقدير ـ مؤيدا لها، فلم يقف الباحث من خلال الوثائق العثمانية على أي شيء حتى الآن، ولعل مزيدا من المعلومات عن سيرته يتضح في وثائق أخرى.
وأشار الدكتور صابان إلى أن صحيفة «أم القرى» الصادرة في 18 شوال 1355هـ/ 1936، ذكرت تحت عنوان «وفاة مؤرخ نجدي»، أنه توفي في مدينة الطائف عن عمر يناهز المائة، قضى شطرا منه في الأستانة ملازما بعض أصدقائه المنفيين هناك، وقام برحلات متعددة في الشرق والغرب. وله مؤلفات خطية قيمة، تبحث في التاريخ العام والخاص، وهو ينتمي إلى حوطة بني تميم، ولم يخلف أبناء. بينما ذكرت مجلة «المنهل» نقلا عن الشيخ محمد نصيف: أن الشيخ عبد الله بن عبد المحسن المغيرة، هذا أعرفه، وكان قد قدم إلى هذه البلاد ليقابل جلالة الملك المغفور له عبد العزيز في جدة بعد ضم الحجاز، وأعرف أن له رحلات ونشاطا علميا وإداريا، وبعد اجتماعه بالملك الراحل عاد إلى مصر، وبقي فيها إلى أن توفي رحمه الله في حين ذكر الدكتور عبد الله المنيف ان المغيرة من اهل اشيقر وذلك في تقديمه وتحقيقه وتعليقه على كتاب «سوابق عنوان المجد في تاريخ نجد» لمؤلفه عثمان بن عبد الله بن بشر أن المغيرة شخصية فذة موضحاً ان الحكم على ثقافة عبد الله المغيرة، سيكون بناء على اللوائح والتقارير والخطابات التي أرسلها إلى الحكومة العثمانية في اسطنبول، والحقيقة أن إلقاء نظرة عامة على تلك الخطابات، يؤكد أنه شخصية فذة، فهو من جهة يتقن لغة التخاطب مع الباب العالي على أعلى درجة من الاتقان، إذا كانت المعروضات التي قدمها من إنشائه، وهذا الذي يرجحه الباحث. ولا يمكن التفريق بين خطابات عبد الله المغيرة النجدي، وبين خطابات الأتراك المتمكنين من قواعد لغتهم وأدبها المخلوط بالأدب الفارسي والعربي، لا سيما ديباجة الخطابات وخواتيمها.
ومن جهة أخرى، يظهر بوضوح أنه كان مطّلعا على السياسة الدولية، وعلاقات الدول بعضها مع بعض، والنزاعات السياسية في مختلف مناطق الجزيرة العربية والخليج العربي، وكيفية إصلاح أوضاع المنطقة من خلال الجامعة العثمانية، فهو خبير بأوضاع منطقة نجد والقصيم ومسقط والخليج وسياسات الإنجليز في المنطقة، وغيرها من الأمور التي تتطلب حذقا سياسيا واطلاعا واسعا على الأوضاع في الجزيرة العربية. ومن الجدير بالذكر هنا، أن الدولة العثمانية كانت توكل للإداريين والعسكريين التابعين لها إعداد تقارير إخبارية ولوائح إصلاحية عن المنطقة في حال نشوب مقاومة للحكم العثماني، أو نزاع بين طرفين متخاصمين، أما حالة عبد الله المغيرة فهي معاكسة لذلك تماما، وتعد حالة نادرة تقريبا، ولا بد من الإشارة هنا إلى أن المترجم له يخاطب الصدر الأعظم من دون وسيط، ومعلوم أن التسلسل الإداري متبع بدقة في الدوائر الحكومية بالدولة العثمانية، فمتصرف إحدى المناطق لا يستطيع تجاوز الوالي لمخاطبة وزير الداخلية، والوالي لا يستطيع تجاوز وزير الداخلية لمخاطبة الصدر الأعظم.
ومن جهة ثالثة، كانت الاقتراحات التي قدمها المغيرة في اللوائح التي كان يبعث بها إلى الباب العالي واقعية، مبنية على اطلاع واسع على أوضاع المنطقة السياسية، مع إلمام جيد بالظروف التي كانت بها على الدولة العثمانية في ذلك الوقت. ومما يرجحه الباحث أن ابتعاث أحمد فيضي باشا إلى القصيم للقيام بإجراء إصلاحات إدارية في المنطقة قبيل تمكن الملك عبد العزيز من ضم القصيم، كان مبنيا على الاقتراح الذي سبق أن قدمه عبد الله المغيرة في العقد الأول من القرن الرابع عشر الهجري، والذي أشار فيه إلى ضرورة قيام الدولة بإجراء إصلاحات في إحدى مناطق الجزيرة العربية، لتكون نموذجية، يتم تطبيقها على غيرها من المناطق، وفضّل أن تكون تلك المنطقة القصيم.
ومهما يكن من أمر، فإن اللوائح التي قدمها المغيرة إلى الباب العالي تعد نماذج قيمة من وثائق الأرشيف العثماني التي تكشف النقاب عن بعض الملابسات التاريخية للمنطقة. وتثير أسئلة لدى الباحثين في موقفه المؤيد للدولة العثمانية في المرحلة الأولى، والذي انقلب في المرحلة الثانية نتيجة الشكوك التي حامت حوله من الدولة، التي تابعت تحركاته في الجزيرة العربية ورصدت تنقلاته، بعد الإخبارية التي وصلتها من المفتشية العثمانية العامة في مصر.
* اقتراحات مهمة للباب العالي
* قدم عبد الله المغيرة أثناء إقامته في البصرة عددا من الاقتراحات على الباب العالي، بغية زيادة موارد الدولة في المنطقة، استجابة منه لما صدر من الأمر السلطاني في 12 أبريل 1888م، بالعمل على زيادة الواردات التي تعود إلى خزينة الدولة. وأشار إلى أن اللائحة التي قدمها من سبعة بنود بشأن ضريبة العشائر ورسوم البصرة وغيرها من المواد النافعة، فقد حصلّت نظارة المالية واردات جمة من المنطقة، بسبب تنفيذ تلك اللائحة، وذكر في خطابه أن الباب العالي إذا وافق على قيامه بتقديم اقتراحات سياسية واقتصادية عن المنطقة، فلديه العديد من المعلومات في غاية الأهمية.
ويبدو أن الباب العالي طلب منه تقديم تلك اللوائح، فقدم عددا منها في مختلف التواريخ، وكان معظمها يتعلق بكيفية توسيع نفوذ الدولة العثمانية في الجزيرة العربية والخليج العربي، فقد ذكر في إحداها أن منطقة القصيم أنسب المناطق لتأسيس إدارة عثمانية نموذجية فيها، يتم تطبيقها في ما بعد على المناطق الأخرى. وأشار إلى أن ذلك الأمر لا يحتاج إلى سوق العساكر، ولا إلى تحمل المصاريف، إنما يكمن في القيام بالدعاية اللازمة للدولة في المنطقة.
وذكر في تقرير إخباري أرسله إلى الباب العالي في 20 سبتمبر 1890م، أن الإنجليز يسعون إلى تأسيس نفوذ كبير لهم في الخليج، حيث ذكر أنه «بناء على ما فُهم من خطاب، ورد في اغسطس 1890م، فإن حاكم مسقط وفي أثناء قبوله للحماية الإنجليزية (طلب من الإنجليز)، إرسال ضباط لتعليم جيشه، وتزويده بعدد كبير من الأسلحة، مما يمكنه من خلال ذلك زيادة قوته، والتمكن أولا من عمان، وثانيا من منطقة حضرموت، وأنه يُبقي حاكم البحرين في حكمه، مع ضمها وتسخيرها. ويسعى (أي حاكم مسقط)، من جهة أخرى إلى توسيع نفوذه في منطقة نجد أيضا من الجزيرة العربية، والاستيلاء عليها، وفي هذه الحال سيكون خادما لتحقيق الأهداف الإنجليزية، حيث تقرر كل ذلك بين الطرفين» (أي حاكم مسقط والإنجليز).
أما اللائحة الثالثة والأخيرة فهي من مجموع اللوائح التي أرسلها عبد الله المغيرة إلى الباب العالي، فقد تضمنت معلومات مهمة عن مناطق نجد كافة، من حيث مناطق السكنى وعدد السكان وأعمال الأهالي وإدارة البلاد، وبناء على أهمية هذه اللائحة فسوف يتم اقتباس أهم الفقرات منها:
ذكر عبد الله المغيرة أن «القبائل التي تعيش بشكل متنقل في ولايتي الحجاز واليمن ومتصرفية الأحساء الواقعة في ولاية البصرة وعلى حدود بغداد وسوريا، في حال من البداوة والجهل»، مشيرا إلى أن «الأجانب يبذلون جهودا مضنية في الاستفادة من تلك الأوضاع المزرية في المنطقة، لا سيما الأعمال والحركات التي يقوم بها رجال السياسة الإنجليز والسفن الإنجليزية التي تتجول في كافة مناطق الجزيرة العربية، مع ما رافق ذلك من الأفكار الواضحة للأوروبيين إزاء أفريقيا، وما قامت به العساكر الإنجليز والإيطاليون من الاستيلاء على السواحل الصومالية، مما أدى إلى أن يشكلوا تهديدا حقيقيا للسواحل الحجازية واليمنية، وجاهزين لاقتحامها في أيما فرصة سانحة. مما يتطلب اتخاذ تدابير حكيمة ومسلك جليل من مقام الخلافة الأقدس في كيفية ترحيلهم عن المنطقة، ضد تنفيذ تلك المقاصد الأوروبية».
* القصيم منطقة إصلاح نموذجية
* وذكر أن الصراعات السياسية الداخلية بين بعض الأسر الحاكمة في المنطقة، سوف تتيح تدخلا من جانب الأجانب في شؤونها، مما يتطلب اتخاذ تدابير حكيمة من الدولة العثمانية والقيام بإجراء إصلاحات إدارية شاملة، إلا أن «خطط الإصلاح في المنطقة لا يمكن تطبيقها دفعة واحدة، فلا بد من التمكن من أهم موقع في المنطقة، وجعله مبدأ متينا لإجراء الإصلاحات فيه، ليكون سورا واقيا يحمي البلاد من كافة المفاسد التي يمكن أن تقع». وقد عدّ المغيرة منطقة القصيم مؤهلة للقيام بإجراء إصلاحات إدارية، تكون نموذجية في ما بعد.
ومن هنا فقد أورد معلومات عن جغرافية القصيم، فذكر أن «منطقة القصيم يقطنها من سبعين إلى ثمانين ألف نسمة، تحدها من الغرب الحناكية التي تقع في الحدود الشرقية للمدينة المنورة، ومن الشرق سدير، ومن الشمال قرية الكهفة الملحقة بجبل شمر، ومن الجنوب قرية السر». مشيرا إلى أن القصيم ينقسم إلى قسمين: القسم الأول هي بلدة بريدة، وعدد سكانها ثلاثون ألف نسمة»، أما «القسم الثاني فهو بلدة عنيزة، ويبلغ عدد سكانها خمسة وعشرين ألف نسمة، وما عدا ذلك هناك عدد من القرى، يتجاوز (مجموع) عدد سكانها العشرين ألف نسمة: «ونظرا لكون معظم أهالي القصيم يشتغلون بالتجارة، فإن تجاراتهم محصورة في البصرة وجدة وبومباي. وهم وان كانوا في داخل الممالك العثمانية، فمنقادون للدولة، مطيعون لها. وان كانوا في الممالك الاجنبية فيراجعون القناصلة العثمانيين في البنادر، لأجل تجاراتهم. ونظرا لاختلاطهم (أي التجار) بأجناس كثيرة، فهم متيقنون من أن بلادهم لا يمكنها العيش في حالة البداوة. ولذلك فهم يرون ان التسليم بحقوق الدولة (العثمانية) أمر لازم. وبناء على أنهم رأوا العديد من البلاد المنتظمة (أي المتمدنة)، وأنهم يقدرون نعمة التمدن، كما هو أمر طبيعي، فإنهم يفقدون مصالحهم في حال البداوة والتوحش، ناهيك من الاستفادة من البداوة مثل سائر العربان. وهم وان كانوا في الوقت الراهن لا يحبون أن يبقوا تحت إدارة نظامية، الا انهم لا ينفرون منها أيضا.
ثم تحدث عن حدود القصيم الجغرافية، معرفا بالمناطق الملاصقة لها، فقال: أما الحدود الثلاثية للقصيم فهي أولا قرية (منطقة) السر، التي يحدها من الشرق الوشم، ومن الغرب الصحراء التي تمتد الى الحجاز ومن الشمال القصيم، ومن الجنوب بلدة القويعية الموصلة لحوطة (بني) تميم. وتتكون (أي السر) من سبعة آلاف نسمة.
وتحدث عن منطقة الوشم فقال: يحدها من الغرب السر، ومن الشرق سدير، ومن الشمال الصحراء ومن الجنوب الجبل المسمى بالعارض. وأهم مدنها (أي الوشم) بلدة شقراء، التي يشتغل أهلها بالتجارة مثل اهالي عنيزة. ومجموع عدد سكانها (أي الوشم) عشرون ألف نسمة.
وعرف عبد الله المغيرة بحدود ومنطقة سدير فذكر انه يحدها من الغرب الوشم، ومن الشرق صحراء الدهناء التي تمتد الى الخليج العربي، ومن الجنوب العارض، ومن الشمال القصيم، ويبلغ عدد سكانها خمسة وعشرين ألف نسمة أو اكثر واهم مدنها بلدة المجمعة. ونظرا لكون اراضيها منبتة، فإن أهاليها يتوقون دائما الى الامن والراحة والجهفة (والكهفة) تابعة الآن لجبل شمر.
ثم تحدث عن العارض فقال: هي عبارة عن الجبل الكبير والوادي الواقع في شرقه، ويحدها من الشرق صحراء الدهناء الممتد الى الاحساء، وغربا ديار حوطة (بني) تميم، وشمالا سدير وجنوبا منطقة الافلاج وأهم مدنها بلدة الرياض. واذا ما اضيف اليها الخرج والمحمل فإن عدد سكانها (أي العارض) يبلغ خمسين الف نسمة. وأكثر اشتغال اهلها بالامور الزراعية.
ثم ذكر ان منطقة حوطة (بني) تميم يحدها من الشرق العارض ومن الغرب الصحراء الممتدة الى الحجاز وشمالا السر وجنوبا الافلاج وأهم بلداتها الحوطة.. وعدد سكانها أكثر من خمسين ألف نسمة واراضيها زراعية خصبة وصالحة للنخيل وأهاليها على البداوة الاصلية للغاية.
وذكر معلومات عن منطقة الافلاج، فقال: يحدها من الشمال حوطة (بني) تميم، ومن الجنوب وادي الدواسر، ومن الشرق الصحراء الدهناء، ومن الغرب الصحراء الممتدة الى الحجاز وعدد سكانها يتجاوز ثلاثين ألفا، وليست فيها بلدان مهمة، بل انها تشمل اثنتي عشر بلدة وعدة قرى واسرة آل مغيرة التي انتسبت اليها هي التي تدير شؤونها وهي تقيم احيانا في بلدة ليلى واحيانا اخرى في بلدة البديع، واراضيها خصبة للغاية وبها مياه كثيرة الا ان تجارتها قليلة.
ثم انتقل عبد الله المغيرة الى الحديث عن منطقة وادي الدواسر ويحدها من الشمال الافلاج ومن الجنوب نجران التي تمتد الى الجوف ومن الشرق صحراء الدهناء ومن الغرب بلدة بيشة التي تمتد الى جبل عسير وأهاليها حضر وبدو يشتغلون بالزراعة، الا ان الوضع الاجتماعي فيها سيئ للغاية، ولا تدار الا بشق الانفس، ويوجد في كل قرية شيخ يدير شؤونها بشكل مستقبل. وهم (أي الشيوخ) يتنافسون فيما بينهم، ومرجعهم جميعا شيخ يدعى ابن قويد. والمنطقة المذكورة تمتد على هذه الشاكلة من الشمال الى الجنوب ومن الشرق صحراء الدهناء التي تمتد الى خليج فارس وغربا الحجاز والصحراء المتصلة بجبل عسير وطولا مسافة شهر تسير فيها القوافل ويشكل مستطيلا.
* الدرعية في تقرير صحفي قبل 125 عاماً.. كانت مدينة عامرة وطيبة المناخ وسكانها 100 ألف
* أصحاب الأغراض وقفوا في وجه صحيفة «المنبه» التي كان ينوي إصدارها بالعربية
* وثائق ذات دلالات مهمة
* وطرح الباحث نماذج من تقارير ولوائح عبد الله المغيرة لها دلالات مهمة حيث ورد في الوثيقة الأولى المؤرخة في 20 سبتمبر 1890م والموقعة باسم عبد الله المغيرة من اشراف ( أعيان ) نجد انه وبناء على ما فُهم من خطاب ورد في بداية المحرم من عام ألف وثلاثمائة وثمانية فإن حاكم مسقط وفي اثناء قبوله للحماية الانجليزية (طلب من الانجليز) ارسال ضباط لتدريب جيشه، وتزويده بعدد كبير من الاسلحة، مما يمكنه من خلال ذلك زيادة قوته، والتمكن أولا من عمان وثانيا من منطقة حضر موت، وانه يبقي حاكم البحرين في حكمه، مع ضمها وتسخيرها ويسعى (أي حاكم مسقط) من جهة أخرى الى توسيع نفوذه في منطقة نجد ايضا من الجزيرة العربية والاستيلاء عليها، وفي هذه الحال سيكون خادما لتحقيق الاهداف الانجليزية، حيث تقرر كل ذلك بين الطرفين (أي حاكم مسقط والانجليز).
أما الوثيقة الثانية فتضمنت بعد الدعاء لجناب السلطان بالتوفيق والسداد وطول العمر انه بموجب الأمر السامي الصادر بتاريخ 1871م، قام والي بغداد مدحت باشا بنشر اعلان عن استخدام اهالي نجد في الدوائر الحكومية، وشجعهم على الانخراط في الوظائف الحكومية، الا ان البدو الذين لم يفرقوا بين ما يعود لهم بالنفع او الضر قد حرموا انفسهم من هذه النعمة، غير ان ذلك قد ادى الى نتيجة ايجابية من الناحية المعنوية لدى بعضهم، ولقد اصبح يرد الى مسمعي يوما بعد يوم صدور مراسيم سلطانية تتعلق بمصالح الملة الاسلامية كافة والعرب خاصة، وذلك بعد جلوس جناب السلطان عبد الحميد الثاني على اريكة الحكم، ومن ضمن ذلك التوجه السلطاني ما صدر من جناب السلطان من مكرمة في حق عبد الله باشا ابن ثنيان وهو من الامراء النجديين الذين هاجروا الى البصرة معلنا اخلاصه للدولة وقد التجأت انا ايضا الى باب الخلافة العلية، بغية تحصيل سعادة الدارين، مضحيا بوضعي ومستقبلي ازاء وطني وقبيلتي، فهاجرت الى البصرة عام 1878م، وتوقفت فترة من الوقت في العراق بغية اخراج بعض الاراضي المكتومة الى حيز الوجود وبعد ان حصلت بعض المعلومات في هذا الصدد التي كلفتني بعض المصاريف، وبعد تحصيل موافقة الباشا المذكور (أي والي بغداد) توجهت الى مكة ومنها عن طريق الديار المصرية وصلت في يونيو 1880م، الى دار القرار (أي اسطنبول) فأقمت فيها ثلاث سنوات في المابين الهمايوني، الا انه بالنظر لكون عبد الله باشا قد عين عضوا لمجلس شورى الدولة برتبة أمير أمراء الروملي الرفيعة ومنحت انا ايضا في البداية الرتبة الرابعة ثم حولت الى الثالثة، ونظر لعدم التجاء فرد من اهل بلادي التي هي الديار النجدية الى باب الدولة العلية حتى الآن، وبما انهم ينظرون الى من يلجأ اليها بنظرة عدائية لا يمكن تصورها، كما هو الأمر المعتاد لديهم، وبما ان عودتي الى بلادي بعد مكث دام ثلاث سنوات سوف تستلزم مخاطرة كبيرة بحياتي، فإن توجهي الى بلدي بهذه الحالة اليائسة، سوف يؤدي الى خيبة أمل بعض الاهالي المحبين للدولة بصدق واخلاص، ونظرا لأنني لم أجد حلا آخر هنا اشتغل به سوى قضاء الوقت، فقد قمت من جهة بتطهير اذهان الاهالي المذكورين من لوثة أرباب الفساد الرامية الى تشجيعهم ضد الدولة واخبار الدولة باخلاصهم وخضوعهم لها، والقيام من جهة ثانية بالتعريف بالحقوق المقدسة للخلافة العظمى لأهالي الجزيرة العربية، خاصة بلاد نجد واليمن وغيرهما من البلاد البعيدة، والذين يعيشون فيها على الحالة البدوية، والعمل على الترقي بهم وايجاد سبل الرفاه لهم من خلال ابراز طريق توصيل اشفاق جناب السلطان اليهم، فقد قصدت تحقيق هذين المقصدين العظيمين، كما اني استرحمت بمنح امتياز اصدار صحيفة عربية اسبوعية لي، تنشر في اسطنبول باسم «المنبه» وقد صدر المرسوم السلطاني بذلك، فقمت بصرف المبالغ الاولية اللازمة مما كنت املكها، بل انني على الرغم من استدانة بعض المبالغ في هذا الصدد، فإنه في الوقت الذي كان العدد الأول من الصحيفة في المطبعة، فقد قامت إدارة المطبوعات بتوقيف الصحيفة، ولما بحثت الاسباب الموجبة لذلك الاغلاق تبين ان بعض اصحاب الاغراض قاموا بعرض الموضوع على جناب السلطان بخلاف الحقيقة بعد ان هذا المسلك الجليل سوف يضر بمصالحهم، وبناء على ذلك فقد نجحوا في اصدار مرسوم بالغاء الصحيفة، حيث لم أتجرأ على عرض الخسارة التي لحقتني من جراء اغلاق الصحيفة، خوفا من اصحاب تلك المصالح ولما كنت في البصرة فقد عرضت على جناب السلطان الجداول الخاصة بالاراضي المكتومة في المنتفق وذلك في عام 1886م، وسجلت في الخزينة الخاصة السلطانية وتحقق بذلك عدد من الفوائد وبناء على الأمر السلطاني السامي الصادر في 1888م، وحتى تتم زيادة الواردات التي تعود الى الخزينة الجليلة وبموجب الاقتراح الذي قدمته والذي يتكون من سبعة بنود بشأن ضريبة العشائر ورسوم البصرة وغيرها من المواد النافعة، فقد حصلت نظارة المالية واردات جمة، وبالإضافة الى ذلك توجد لدي معلومات مالية وسياسية في غاية الأهمية فإن صدر الأمر الكريم فسوف أقوم بتقديمها وبناء على ما سبق ونظرا للمعروض الذي سبق ان قدمته عن وضعي، فقد صدر أمر ولي النعمة باستخدامي في نظارة الاوقاف، الا ان النظارة المذكورة قد ذكرت انه لا توجد لديها في الوقت الراهن وظائف شاغرة، وبما ان وضعي الآن مثل ما عرضت على جنابكم على حاله السابق، فإنني في أشد الحاجة الى مساعدة ولي النعمة من جميع الوجوه، وذلك بتوفير راتب لي، يؤمن معيشتي، اما بتوظيفي في معية جناب السلطان أو في أي دائرة من دوائر الحكومة بوظيفة مناسبة والأمر والفرمان واللطف والاحسان في كافة الاحوال لجناب سيدي السلطان صاحب الشوكة والقدرة والعظمة والرحمة.
* أما الوثيقة الثالثة المؤرخة في 12/10/1888م فقد جاء فيها :
* سيدي صاحب الدولة:
* إنه بموجب الاستدعاء الذي قدمه عبد الله المغيرة أفندي ـ من أشراف نجد ـ فقد تم بطيه تقديم المذكرة التي تحوي الاتصال الذي تم مع المشيخة الإسلامية حول تبديل رتبة رؤوس التدريس إلى إدارية من الدرجة الثالثة. وفي حال صدور موافقة جناب السلطان. فسوف يتم تنفيذ ذلك.
* الصدر الأعظم كامل
* (الحاشية) لقد تم إطلاع جناب السلطان على هذه المذكرة السامية، وصدرت موافقته الكريمة على ما جاء فيها. والأمر والفرمان لحضرة من له اللطف والإحسان.
9/10/1888م المستشار الخاص لجناب السلطان.
وفي الوثيقة الرابعة كتب عبد الله المغيرة بك إلى مقام الصدر الأعظم ما نصه سيدي صاحب الدولة:
استناداً إلى ما تتصفون به من شمائل عالية وصفات حميدة من جانب الرحمن، فإنني أعرض موضوعي على النحو الآتي:
إنني من أشراف نجد ومن أعضاء مجلس إدارتها (أي من أعضاء مجلس إدارة لواء نجد)، وقد سبق أن قدمت إلى جناب صدارتكم معروضاً بتبديل الرتبة العلمية التي حزتها إلى رتبة إدارية، وصدرت موافقة جنابكم على ذلك، وبعد التنسيق مع المشيخة الإسلامية ووصول الخطاب الجوابي منها، سُئلتُ إن كانت لي وظيفة حكومية أم لا؟ فأفيد معاليكم إنني من أشراف نجد، ومن أعضاء مجلس الإدارة فيها. وقد نلتُ التوجهات السلطانية من جميع الوجوه. أما المعروض الذي قدمته بتبديل الرتبة العلمية، فكان مستنداً على أن رتب الاشراف والعلماء كافة في نجد من الرتبة الإدارية. ولذلك طلبتُ تبديلها إلى رتبة إدارية على غرارهم. وبما أن أهل الشرق والغرب حاصلون على مساعدات من مقامكم كما هو أمر مسلم به ، فأرجو أن احصل انا ايضاً على تلك الرتبة، لأدعو لكم بالخير طول العمر إن شاء الله. وإذا تطلب الأمر فيمكنني تزويد مقامكم الكريم بكيفية توظيفي كما سبق. وأرجو من مقامكم التشفع في الأمر، وأن أحظى بتوجهاتكم الكريمة. والأمر والفرمان لحضرة من له اللطف والإحسان.
التوقيع : عبد الله المغيرة بك وجاء في الوثيقة الخامسة التي كتبت بتوقيع عبد الله بك المغيرة بتاريخ 18/5/1888م ما يلي:
سيدي صاحب الدولة:
(بعد الدعاء لجناب السلطان بالتوفيق ولدولته بالسداد وطول البقاء) إن مقدم هذا المعروض من أشراف نجد، وهو على الولاء والإخلاص للدولة العلية أباً عن جد. وبالنظر إلى الاستدعاء الذي قدمته بتحويل الرتبة الثالثة التي حصلت عليها من قبل إلى رتبة إدارية، وهي موافقة لأمثالها. وبما أن أكثر الحائزين على الرتب العلمية من الحجاز والعرب قد استبدلت رتبهم إلى رتب إدارية، فالمرجو من مقامكم الكريم الموافقة على تبديل المرتبة التي حزتها إلى ثانية إدارية. والأمر والفرمان لحضرة من له اللطف والإحسان.
وسجل الباحث صابان الوثيقة السادسة التي تعد نماذج مترجمة من تقارير ولوائح عبد الله المغيرة والموقعة باسم الصدر الاعظم – المستشار أمين والمؤرخة في 15/12/1913م وجاء فيها :
الباب العالي سري الموضوع: بشأن عبد الله المغيري دائرة الصدارة الذي توجه إلى البصرة مكتب الولايات الممتازة إلى نظارة الداخلية الجليلة سيدي صاحب الدولة:
لقد ذكرت الأخبار الواردة أن شخصاً يسمى عبد الله المغيري قد توجه إلى البصرة ونجد، للقيام بأعمال خاصة، حيث أفيد أنه مرسل من قبل الإنجليز.
وبما أن المفتشية العامة فوق العادة في مصر ركزت على ضرورة رصد تحركات المذكور، فالمرجو إبلاغ من يهمهم الأمر بذلك. وإخبارنا بالنتيجة.
ويشدد الباحث الدكتور سهيل صابان على انه يتضح فيما سبق أن العثور على وثيقة عن شخصية أو موضوع ما، غير كاف للحكم عليه بالنفي أو الإيجاب، بل لا بد من البحث عن وثائق أخرى، تجلي الموضوع حقه من البحث والتوضيح. ومن هنا فإن الوثائق الخاصة بالمدة المتقدمة عن علاقة عبد الله المغيرة بالدولة العثمانية، تخالف الوثائق المتأخرة عنه في الأرشيف العثماني. فوثائق المدة الأولى تبين توجهه إلى اسطنبول ومكثه فيها مدة من الزمن، ومحاولته إصدار صحيفة عربية فيها، بينما تبين الوثائق المتأخرة عنه أنه تحول إلى شخص معاد للدولة العثمانية، وأنه يجب ترصد حركاته في نجد على وجه الخصوص.
ومن جهة أخرى تبين مجموع الوثائق التي عرض بعضها أن عبد الله المغيرة كان شخصية ثقافية وسياسية، وكان لديه إلمام جيد بأوضاع المنطقة: سواء في الفترة الأولى من علاقته بالدولة العثمانية. أو في الفترة الثانية التي انتقل فيها إلى مصر، ثم رجع إلى نجد. لكن السؤال الذي يطرح في هذا الصدد والذي يتطلب الإجابة عنه، ولعل أحد الباحثين يقوم بكشف ملابساته، هو لماذا غير عبد الله المغيرة موقفه تجاه الدولة العثمانية؟
* صحيفة لم تر النور
* وحول الصحيفة التي كان ينوي المغيرة إصدارها باسم «المنبه» فقد أوردت صحيفة الحقائق (وكما جاء على غلافها الخارجي فإنها كانت: جريدة سياسية إخبارية، تصدر في كل أسبوع مرة، وأكثر من ذلك عند اللزوم، ولا تقبل إلا ما كان مختصاً بالمنافع العمومية، ومحل إدارتها بالمطبعة العامرة وصاحب امتيازها ومحررها: أبو النصر السلاوي) في عددها العاشر الصادر في يوم (السبت الأول من عيد الفطر المبارك سنة 1203هـ) تحت عنوان: ينحسم الجدال وينفض ختام هذا الإشكال: يا لله العجب، ما يلي:
«بلغنا أن جريدة تسمى (المنبه) يراد أن يعطى امتيازها إلى رجل يقال له عبد الله المغيرة، تابع عبد الله باشا (الثنيان) النجدي، المعلوم الأحوال والأطوار عند عموم البصريين والعراقيين.. فبلغ بنا العجب إلى أقصاه، حيث علمنا من بعض المصادر الموثوقة آنذاك الرجل (أي صاحب امتياز المنبه: عبد الله المغيرة) هو رجل أمي لا يفك الخط، ولا يحسن شيئاً من القراءة أو الكتابة مطلقاً جملة كافية.
زيادة على أنه من عامة الناس الذين لا يصح إدخالهم في عداد المستخدمين فضلاً عن إدخالهم في سلك أرباب الجرائد التي هي اليوم أهم ما يكون في نظر العموم، لما يتعلق بها من الملاحظات الدقيقة السياسية الجديرة بالاعتناء والاهتمام من قبل الحكومة المحلية الواجب عليها تفقد أحوال الناس وتعهد أفكارهم، وتبيين مقاصدهم، حرصاً على تحصيل ثمرة المدنية الموضوعة لأجلها مسألة الجرائد والصحف، وصيانة لحقوق الدولة والملة التي يراد أن ينسب إليها ذلك من أن يكون ذريعة لتهافت بعض.. الذين لا يعرفون قدر النعمة، ولا يفرقون بين الصلاح والفساد. مثل هذا الأصم الذي يريد أن يتوصل بواسطته إعطاء هذا الامتياز له بعض أرباب الغايات..
إلا أننا أشد ما نعجب في هذه المسألة من جهة الباب العالي على تقدير أنه هو المعطي لهذه الرخصة كيف أمكن له أن يروج تلك الغاية لهذا الأصم الأبكم الذي ربما كان سيده غير صالح لأن يكون أهلاً لمثل ذلك الاختصاص، لما يعلمه الخاص والعام من عدم اقتداره على حسن النطق، فضلاً عن غيره مما يتعلق بأمر التحرير والكتابة، وإن كان لا ينكر كون التفات (عطف) الحكومة السنية قد جعله الآن من أرباب الرتب وأهل الحيثيات على محض المظنة بأنه هو من عائلة الإمارة النجدية لا غير..».
وورد في العدد 11 من صحيفة «الحقائق» الصادرة في يوم الأربعاء 5 شوال 1303هـ تحت عنوان «معلومات خاصة» ما يلي:
«بلغنا أن سعادة عبد الله باشا النجدي يريد أن يجعل تحرير الجريدة التي أعطي امتيازها لتابعه، محولاً إلى عهدة جماعة من المصريين الذين بعضهم الآن هنا، وبعضهم في بيروت، وبعضهم في أوروبا، وهم: الشيخ محمد عبده، وإبراهيم بك المويلحي، وأحمد أفندي سمير، والشيخ رسول البخاري، إلا أن الشيخ رسول على ما يقال سيكون فيها معهم بصفة مصحح، وضم إليهم رجلاً آخر، نحن نستبعد موافقته على الدخول في هذه المسألة، كما نستبعد إمكان اجتماع هؤلاء الجماعة المذكورين لتحرير جريدة، يكون صاحب امتيازها ذلك التابع الذي سبقت الإشارة إلى ذكره، فضلاً عن كون ذلك ربما كان من المعتذر الحصول على جميعهم، لأمور كثيرة، نضرب صفحاً عن ذكر تفصيلاتها الآن، ونعد ببسطها عند اللزوم».
ولعل صحيفة الحقائق وصاحبها ورئيس تحريرها من العرب القاطنين في اسطنبول، ممن أشار إليهم عبد الله المغيرة بأن أصحاب بعض الأغراض قد تربصوا له، ووقفوا أمامه في إصدار صحيفته. ومعلوم أنها لو صدرت في اسطنبول، لكانت منافسة لصحيفة الحقائق، ما أدى برئيس تحريرها أبي النصر يحيى السلاوي إلى التصدي لصحيفة المنبه التي كان يعتزم إصدارها عبد الله المغيرة، قبل صدور أي عدد منها، مما يدل بوضوح على صحة ما ذكره المغيرة في الوثائق العثمانية من وقوف أصحاب المصالح في وجه صحيفته.
وقد نشرت صحيفة الحقائق أيضاً معلومات مقتضبة عن الدرعية في عددها العاشر تكملة لما نشرته في العدد التاسع جاء فيه. «ومدينة الدرعية هي مدينة متوسطة، ظريفة الموقع والمنظر، يقسمها نصفين وادي حنيفة المعروف، وبها كثير من النخيل والبساتين التي تؤتي ثمارها بغاية الجودة. وأكثر ما يعتني بها أهلها تربية الخيول والجياد، ومن المواشي الأغنام، وأغلب ما فيها من ذلك، الغنم السود وسائر المواشي.
وتحادها من جهة الجنوب إلى جهة الغرب أرض نجد منفصلة عن أرض اليمن وعمان بصحراء الأحقاف التي ذكرها الله تعالى، ومهلك أهلها في كتابه العزيز. أما مدن نجد فلها تجارة عظيمة متبادلة بين بعضها بعضاً ومع ما جاورها من بلاد الحجاز واليمن وهجر. وكانت تلك المدينة (أي الدرعية) عامرة مشهورة بالتجارة وطيب المناخ. وكان سكانها ينوفون عن مائة ألف، حتى ضاقت بأهلها، وغلت فيها أسعار المنازل والحوانيت إلى درجة كلية، بلغت فيها أجرة الحانوت على ما يقال إلى ريال ونصف اليوم.
وهو أكبر دليل على ما كان فيها من زيادة العمران ورواج التجارة. وكانت المنازل فيها بهيجة المنظر. والقصور والمنازل على حافتي الوادي المذكور، ممتدة من الجانبين على صورة منتظمة، بعضها مرتفع عن بعض بدرجة مناسبة، والحوانيت من وراء البيوت كالسور.
ثم اندرست بعد هذا العمران العظيم، وأصبحت اليوم خاوية خالية، ولا يوجد فيها من السكان إلا القليل من الناس، وذلك من أن انتقلت منها إمارة نجد، وتحول عنها الأمراء إلى مدينة الرياض، وجعلوها مقر إمارتهم إلى الآن، وسنذكر إن شاء الله تعالى بيان أسباب انتقالهم إليها، وخراب الدرعية بكيفية مختصرة»।

0 التعليقات

إرسال تعليق