تعد الوشم من أبرز مناطق نجد موقعًا وتاريخًا لتوسطها بين بلدان المنطقة عامة وباعتبارها البوابة الشمالية للدرعية عاصمة الدولة السعودية الأولى، كما حفلت الوشم بأحداث سياسية وعسكرية وبخاصة في الفترة التي شهدت حملات إبراهيم باشا على البلاد السعودية، وحفلت المنطقة بمظاهر اجتماعية وسياسية وعلمية واقتصادية قبل قيام الدولة السعودية الأولى، وسجل التاريخ تصدي أهالي الوشم لحملة إبراهيم باشا إلى الأراضي السعودية مع قوات الدولة بعد أن تقدمت القوات المعادية صوب عاصمة المنطقة (شقراء) خلال حملة طوسون باشا من خلال تحصين منطقتهم ضد الحملة بحفر خندق يحيط بشقراء، وبعد أن أحكم إبراهيم باشا الحصار على أسوار شقراء، استمات الأهالي في الصمود بالرغم من قصف المدافع العنيف الذي لم تعرفه المنطقة، بل البلاد من قبل، حيث كانت الأسلحة التي يستخدمونها في ذلك الوقت هي الأسلحة التقليدية كالسيوف والرماح والبنادق، وورد ذكر الوشم في كثير من قصائد الشعراء الأقدمين وكتب البلدانيين والرحالة الذين زاروا الجزيرة العربية واشتهر الإقليم بكثرة مدنه وقراه وهجره التي حافظت على مسمياتها القديمة وأبرزها شقراء واشيقر وثرمداء والفرعة والقرائن ومرات وأثيثية والقصب والجريفة والحريّق، وسميت المنطقة بهذا الاسم بسبب اكتسائها بالرمل والهضاب الحمراء والسهول الملونة بما يشبه الوشم وهو النقش على ظاهر الكف للزينة، كما عبر عن ذلك الشاعر طرفة بن العبد في معلقته:
* لخولة أطلال ببرقة ثهمد ـ تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليد.
كما رجح الباحثون أن تسمية الوشم تعود إلى المزارع المتناثرة والمتقاربة بشكل يشبه الوشم باليد.
وذكر الشاعر الحطيئة الذي عاش قبل 1400 عام الوشم ومدينتيه المشهورتين شقراء وأشيقر بقوله:
* فلما نزلنا الوشم حمرًا هضابه ـ أناخ علينا نازل الجوع أحمرا
* رحلنا وخلفناه عنا مخيمًا ـ مقيمًا بدار الهون شقراء وأشقرا.
وقال الهمداني في كتابه «صفة جزيرة العرب» عن الوشم: قال الجرمي: الوشم من أرض اليمامة وهو للقراوشة من بني نمير وأول الوشم ثرمداء وأثيفية (أثيثية حاليًا) وهي لمعشر عمار بن عقيل وذات غسل وأشقير والشقراء وهما لبني تميم. وقال زياد بن منقذ الأموي ذاكرًا الوشم وشقراء
* متى أمر على الشقراء معتسفًا ـ خل النقا بمروح لحملها زيم
* والوشم قد خرجت منه وقابلها ـ من الثنايا التي لم ألقها برم.
واشتهرت الوشم قديمًا بنسج البُرد (جمع بردة) وقد أورد ياقوت الحموي في معجم البلدان نسبة إلى حميد بن ثور وهو يخاطب ابنه
* ما بال برديك لم تمسس حواشيه ـ من ثرمداء ولا صنعاء تحبير.
وتعد المنطقة رحمًا للهجرات داخل الجزيرة العربية وخارجها، كما تعد مركز إشعاع علمي في نجد وكانت مدنها، خصوصًا أشيقر محطة تعليمية قديمة يقصدها العلماء، كما كانت قاعدة انطلاقة علمية واشتهرت بكثرة الأوقاف والوصايا التي كانت تشكل اهتماماً خاصًا في حياة الناس وتوجد مئات من هذه الوثائق لدى الباحثين وبعض الجمعيات والمراكز العلمية، كما اشتهرت مدينتا الوشم شقراء وأشيقر بكونهما مركزين تجاريين. وسجل أهل المنطقة دراية بالتجارة والتفوق فيها لدرجة أن رجالاتها المميزين

في هذا الميدان أنشأوا سوقًا تجاريًا في قلب مدينة الرياض أشتهر باسم سوق «أشيقر».
حاضرة الوشم
لعل أبرز مدن الوشم هي شقراء حاضرة الإقليم وسميت بذلك من لون أكماتها وهضابها ،حيث يغلب على تربة أرضها اللون الأشقر، فهي تربة طينية امتزجت بالرمال. واعتبر لورمير الإنجليزي في كتابه «دليل الخليج» شقراء مركزًا لتجميع الخيول وتجارتها التي تنقل لتباع في أسواق الهند، كما اعتبرها أيضا مركزًا مهمًا ومزدهرًا لزراعة النخيل، وقال عنها بأنها مدينة كبيرة وعاصمة منطقة الوشم في نجد الجنوبية، وتقع تجاه الجانب الغربي من المنطقة على بعد حوالي 100 ميل جنوب شرقي عنيزة، وعلى بعد نفس المسافة شمال غربي الرياض، وجاء كلام لورمير هذا أثناء زيارته لها في الفترة ما بين عام 1892م – 1901م وقدر عدد سكانها في ذلك الوقت بحوالي 3000 نسمة، لافتًا إلى أن جانباً من سكانها يعملون في الزراعة وآخرين يعملون في التجارة وبصفة رئيسية مع الكويت والسوق كبير وبه متاجر كثيرة.
وذكر حافظ وهبة في كتابه «جزيرة العرب في القرن العشرين» عند حديثه عن الوشم كجزء من أقسام نجد أن شقراء العاصمة تقع في الجهة الجنوبية الشرقية ويبلغ عدد سكانها نحو 15 ألفًا، مشيرًا إلى أن لشقراء في القرن الماضي مكانة تجارية عظيمة مع الهند وسورية والعراق. واشتهر من أبناء شقراء في التجارة عبد الرحمن بن منيع التاجر المعروف في الهند الذي سمي شارع في مدينة بومباي باسمه ويقع الشارع في وسط المدينة قريبًا من بوابة الهند باسم Maneeas Street. وفي عام 1918م زار عبد الله فلبي شقراء وقد تحدث في كتابه THE ARABIA OF WAHHABI"S عن الوشم وأفاض في الحديث عن شقراء ومكانتها في المنطقة والمؤتمر الذي عقده الملك عبد العزيز في بيت عبد الله السبيعي لدراسة الوضع العام مع الشريف ومع ابن رشيد ومع البادية، معرجًا في الحديث عن تجارة شقراء والقوافل المحملة بالبضائع والمتوجهة إلى الرياض وتجارها الكبار الذين لهم وكلاء وفروع في جميع أنحاء البلاد، وقال فيلبي عن بيوت شقراء، إن منازلها مصممة بحيث تؤمن المزيد من النور والهواء.
وعرفت شقراء أول مستشفى قبل مئتي عام أوجده إبراهيم باشا أثناء حملته على المنطقة بهدف علاج جرحى جنوده بأطباء إفرنجيين، إلا أن حظ الأهالي منه معدوم، حيث أوضح أمين الريحاني في كتابه «نجد» وملحقاته: ومما هو جدير بالذكر أن إبراهيم باشا أسس في شقراء مستشفى للجرحى لعناية اثنين من الأطباء والصيادلة الإفرنج الذين كانوا معه، لكن هذه الرحمة لم تشمل غير جرحى جيشه، فقد كان يأمر بقتل الأسرى، واهتم الملك المؤسس عبد العزيز بالناحية الصحية في شقراء وبذل جهدا للاعتناء بالمواطنين وعلاجهم. وقد نظم برنامجًا لزيارات الطبيب الجراح الإنجليزي ديم للعلاج وإجراء العمليات في مدن نجد والأحساء، وقد جاء إلى شقراء في عام 1923م وسكن بيت سليمان بن حمد الصبي في حي الطريف، وأجرى فيه عمليات لمجموعة كبيرة من الأهالي بشقراء والوشم، ومع عمله العلاجي هذا فقد أخذ صورًا لمشاهد كثيرة من البلد، والعرضات الحربية (النجدية) والغزو مع البادية ـ فكّ الأغنام عندما يعتدى عليهاـ ثم عودة الفزعات، ولم يغادر البلد إلا بعد اطمئنانه لنجاح العمليات التي أجراها وبرئ أصحابها.
ويقول ديم في مذكراته من كتاب «القوافل»: بعد أن سمح لنا حاكم نجد عبد العزيز بن سعود بزيارة المدن الرئيسية، حزمنا أمتعتنا وصناديقنا الطبية وغادرنا الرياض بواسطة قافلة من الجمال في نهاية ديسمبر 1923م متوجهين إلى المدينة الأولى شقراء، وبعد رحلة استمرت خمسة أيام تخللها بعض الوقفات القصيرة

في الصحراء وصلنا شقراء صباح 30 ديسمبر. عند وصولنا إلى المدينة تم استقبالنا استقبالاً جيدًا وذهبنا مباشرة إلى بيت المال، وهو مركز للخزينة المحلية التابع لابن سعود، كما أنه يعتبر مكان جباية الضرائب (الزكاة) في المنطقة .. مضيفًا بالقول: ومنذ الأيام الأولى في شقراء وجدنا الأهالي متعصبين بشكل كبير وبسبب ذلك واجهنا الكثير من المناقشات الدينية الطاحنة في أماكن متفرقة من المدينة، وبرغم هذا التعصب الديني عند الأهالي إلا أن شيخ شقراء المعروف بالشيخ إبراهيم (هو قاضي البلدة إبراهيم بن عبد اللطيف) كان في مقدمة الذين أعطيتهم كل الاحترام والتقدير من بين مئات الناس الذين قابلتهم أثناء رحلاتي في الجزيرة العربية. فالشيخ إبراهيم الذي أجريت له ولابنه عملية فتاق ناجحة، رجل ورع وتقي جدًا ومسلم حقيقي وصادق وكان يبدي دائمًا قلقًا حقيقيًا على إيماني، وقد حاول بكل ما استطاع طيلة فترة وجودي في شقراء تحويل عقيدتي إلى الإسلام ودعاني أكثر من مرة إلى الاستماع إلى القرآن والامتثال إلى كلمة الله الحقة، وبالرغم من عدم استطاعة أي منا إقناع الآخر بتغيير دينه إلى أنه بقي صديقاً حقيقياً لي حتى آخر يوم في شقراء، وبجانب الشيخ إبراهيم حاول أولاده أيضًا إقناعي بالإسلام كما فعل هو أيضًا، وفي مرات عديدة بعض شخصيات المدينة. وفي الواقع، فقد وجدت أن طرقهم في التبشير بالإسلام تشبه إلى حد كبير طرقنا بالتبشير بالمسيحية، والمتمثلة بالزيارات والأحاديث الشخصية، بل إنني أحيانًا حصلت على عروض بالزواج وتوفير السكن المناسب وغير ذلك إذا أصبحت مسلمًا، ويشير لويس ديم إلى أنه بالرغم من صخب الأيام في شقراء المملؤة بالمناقشات والزيارات المتبادلة إلا أننا استطعنا خلال اثني عشر يومًا من 16 يومًا وهي مدة إقامتنا هناك، معالجة 953 مريضًُا وقمنا بإجراء 48 عملية، وكان هذا العدد بالنسبة لسكان شقراء البالغ من ستة آلاف إلى ثمانية آلاف، يعتبر دون شك عملا عظيمًا وشيئًا لا يستهان به.
وفي عام 1360هـ أرسل الملك عبد العزيز طبيبًا عربيًا هو طبيبه الخاص في ذلك الوقت، لعلاج المواطنين في شقراء هذا الطبيب هو (الطباع) وقد أقام فترة قصيرة لمعالجة الناس، وهيئ له حوش الأمير، الذي تحّول في ما بعد إلى أن أصبح هو المدرسة الابتدائية بالبلد بعد التعليم النظامي، حيث اشتراه أهل البلد وبنوه مدرسة حديثة التصميم على نفقتهم. ويشير الدكتور محمد بن سعد الشويعر في كتابه «شقراء مدينة وتاريخ» إلى أنه قبل دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب الإصلاحية كان المركز العلمي في منطقة الوشم خاصة، وفي منطقة نجد عامة، تتصدر الزعامة فيه بلدة أشيقر وبلدة العيينة، فقد كانتا مركز علم ومنار إشعاع. ومنذ أن تسلمت الدرعية المركز العلمي، بدأ نجم أشيقر العلمي في الأفول، كما لحقت بها العيينة، فكانت الفرصة المواتية لشقراء بان تتبوأ هذا المركز في منطقة الوشم، خاصة أنه قد أصبح بها عالمان طبقت شهرتهما خارج الجزيرة علاوة على داخلها واستقرا فيها واحد بعد الآخر وجلسا للعلم وأخلصا في أدائهما حتى توفيا وهما الشيخ عبد العزيز بن عبد الله الحصين والشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبو بطين. ومن ذلك الوقت أدرك الناس أهمية العلم فسعوا إليه، بعد أن كبرت البلدة وتعدد سكانها وكثر ترحالهم وعرفوا قيمة العلم في الديار التي زاروها وأهميته في إدارة أعمالهم. وقد كان كثير منهم بحكم صلتهم التجارية وإدراكهم لأهمية العلم يبعث أولاده للبحرين والكويت لأخذ قسط وافر من التعليم، خاصة في الحساب والخط والإملاء. .
كتاتيب ومجالس العلماء
* وقبل المدارس النظامية، كان بالبلد مجموعة من مدارس الكتاتيب لتعليم القراءة والكتابة والقرآن الكريم وتجويده للبنات والبنين، علاوة على مجالس العلماء وحلقاتهم في المسجد الجامع وفي بيوتهم. وبلغت مدارس البنين ست مدارس حسبما مر بنا في ترجمة حياة بعض أصحابها، أما مدارس البنات فعددها ثلاث هذا في آن واحد، أما بالتتابع فعددها كبير، وتسمى المعلمة التي تقوم بالتدريس في بيتها «مطوعة» والشيخ في مدرسته أو بيته فهو«مطوع»، لأن مما جرت به العادة أن يكون الرجل مع عمله

في هذه المدرسة إمامًا لمسجد.
أما إيرادات أصحاب هذه المدارس وصاحباتها، فمن أولياء الأمور، لكل فرد ريال في الشهر تضاف إليه إكرامية الأعياد، وهدية عند قدوم ولي أمر الطالب من السفر أو الحج وضيافة في المناسبات ومراعاة في النواحي الاجتماعية الأسرية، أما إذا كان والد التلميذ فلاحًا فنصيب المعلم أو «المطوع» من الثمار على اختلافهما في المقدمة.
وعند ختم التلميذ للقرآن الكريم يعبر والده عن فرحته بإكرامية جيدة للمعلم، وطعام للفقراء وعطاء جزل عبارة عن جوائز رمزية لزملائه التلاميذ في المدرسة وأقرانه في المدارس الأخرى، حيث يتجمعون ويهزجون ويفرحون، هذه الجوائز التي تلقى عليهم من مكان مرتفع من المأكولات المصنوعة محليًا «الكليجا والفتيت» (البسكويت الذي يصنع في البيوت) أو النقود المجزأة أو غيرها حسب وضع الأسرة المالي ورغبتهم في التعبير عن شعورهم وفرحتهم.
يتعلم الطالب القراءة والكتابة في لوح خشبي، يختلف حجمًا وشكلاً حسب مراتب الناس، يتفنن النجارون في صناعته مطلي بمادة جيرية بيضاء تعرف محلياً باسم «الصالوخ» تستخرج من الجبل الجنوبي «الظهرة الجنوبية» بين شقراء والقرائن، يكتب فيه المعلم الدرس ليكتب عليه الطالب الواجب في البيت، ويسمى هذا العمل «التصوير» ثم يغسل بالماء و«الصالوخ»، ليكون مرة أخرى أبيض أملس، وهو يشبه السبورة في المدارس النظامية، إلا أن هذا اللوح صغير وخاص لكل طالب لوحة.
وفي آخر عام 1359هـ وبداية عام 1360هـ فتحت أول مدرسة حكومية ففرح بها الأهالي، وتسابقوا في إكرام هيئتها التعليمية وتوفير مستلزماتهم وتبرعوا ببناء أحدث مدرسة يعرفها التعليم آنذاك في السعودية حسب شهادة رجال التعليم في ذلك الوقت وبعده من ناحية البناء والشكل والتصميم والموقع وبدأت الدراسة في أول يوم من عام 1360هـ.
وقد كان من مرئيات الشيخ محمد بن مانع مدير المعارف العامة آنذاك التريث في فتحها بعدما أمره الملك عبد العزيز بفتح مدارس في كل من: الأحساء، حائل، بريدة، شقراء، عنيزة، المجمعة، ليتحرى لشقراء خلالها ، ويبحث عمن يصلح من المعلمين للعمل هناك، وبعد أن وفق، بعثهم دفعة واحدة عن سابق معرفة بهم وهم: الشيخ عبد المجيد حسن مديرًا، الشيخ عبد الله بن خربوش مساعدًا، الشيخ إبراهيم الجهيمان معلمًا، الشيخ إسحاق كردي معلمًا ومقرئاً، الشيخ محمد ثاني معلمًا، الشيخ سويلم نافع الحربي معلمًا، الشيخ عبد الرحمن بخاري معلمًا.
وقد مرت بهؤلاء المشايخ أزمات مالية شديدة لأن الحرب العالمية مشتعلة ومرتباتهم بمعدل 25 ريالا في الشهر، حسب نسخة من مسير مرتباتهم وجده الباحث الشويعر في ما بعد والغلاء يجتاح العالم بمناسبة الحرب، والمرتبات تتأخر حسب الوضع المالي للبلاد ومسيرة البريد، فأدى أهل البلد دورهم لإزالة هذه الضائقة عنهم وتفريج الكربة عن معلمي أولادهم فساعدوهم. نال من هذه المدرسة الشهادة الابتدائية الفوج الأول عام 1364هـ، حيث عقد امتحانهم في الطائف، وكان عددهم 32 طالبًا أصبحوا جزءًا من النواة الأولى لافتتاح دار التوحيد، ومعهم زملاء من عنيزة وبريدة والمجمعة وحائل والرياض. أشيقر مركز علمي وسياحي
* أما أشيقر، فقد سميت بذلك نسبة إلى جبل أشقر اللون يحدها من الشمال وهو المعروف عند أهلها بـ«ضلع الجنينة» الملاصق للمدينة، وقد ورد ذكرها على لسان الشعراء والبلدانيين باسم أشقرا، وعدت أشيقر مركز إشعاع علمي في نجد وكانت محطة تعليمية بامتياز، حيث كانت مقصداً للعلماء وقاعدة انطلاق علمية، كما اشتهرت أشيقر بكثرة الأوقاف والوصايا لكونها تشكل اهتماماً خاصاً في حياة الناس تحقيقا لمبدأ التكافل الاجتماعي والتعاون الاقتصادي وترسيخاً لإحياء السنة، وتوجد مئات من الوثائق بهذا الخصوص لدى عدد من الجمعيات والمراكز العلمية ومنها الجمعية الخيرية بأشيقر لتبنيها جمع الوثائق، كما أن أشيقر اشتهرت بكونها مركزاً تجارياً وعرف أهلها بالتجارة والتفوق فيها إلى درجة أن رجالاتها المميزين في ميدان التجارة أسسوا سوقاً تجارياً في قلب مدينة الرياض أسمته أمانة منطقة الرياض «سوق أشيقر» ويتميز هذا السوق بتنوع وشمولية محتوياته ومعروضاته ورخص أسعاره.
وسجل التاريخ بأن أشيقر هي رحم الجزيرة العربية حيث نزح منها كثير من سكانها إلى مناطق أخرى مثل سدير والمحمل وبعض بلدان الوشم والقصيم والأحساء وقطر.
وتعد أشيقر التي تقع شمال غربي مدينة الرياض على مسافة تقارب 191 كم من المدن التي اشتهرت بالزراعة، حيث أُسست بها شركة النجاح قبل أكثر من 60 عاما كأول شركة زراعية

على مستوى السعودية ساهم بها الأهالي.
واشتهرت أشيقر حاليا بمنتزه (الجبل) ضلع الجنينة، حيث أوضح عضو لجنة التحسين وترميم البلد صالح العبد الله الحميد أن الفكرة والبداية لهذا المنتزه كانتا على يد الراحل الشيخ عبد العزيز إبراهيم أبا حسين أحد أعيان البلد، عبر إنشائه ثلاث مظلات خاصة في المطل يرتاده الأهالي والزائرون، وبجهود أبناء أشيقر وتكاتفهم وتعاونهم تم التوسع في تشييد المطل بدعم من رجال الأعمال وبلدية محافظة شقراء وفرع البلدية بأشيقر سابقا والمجمع القروي بأشيقر حالياً، حيث أصبح هذا المطل علامة سياحية بارزة في المنطقة.
وتم حفر بئر في أسفل الجبل بعمق 300م تقريباً وإنشاء خزان أرضي وآخر لقاعدة الشلال وخزانات علوية فوق الجبل لتغطية شبكة الري والخدمات الأخرى، كما تم شق طريق بطول 1500م إلى أعلى الجبل وتمت سفلتته وإنارته، كما يحتوي المطل على 75 استراحة مزودة بكافة الخدمات الضرورية من ماء وكهرباء ومواقف للسيارات وصالة للاحتفالات بكامل خدماتها تتسع لأكثر من 900 مقعد ومجهزة بمسرح وما يلزمه من أجهزة حديثة ومرئية، كذلك مسجد بجوار الصالة روعي في تصميمه الطابع الإسلامي القديم والمتانة في التنفيذ. وأعاد أهالي أشيقر بإشراف من عدد من المختصين من أبناء المنطقة اعمار قرية أشيقر القديمة من خلال مشروع ترميم البلدة القديمة وأسوارها التاريخية بمساندة من الهيئة العليا للسياحة والآثار، حيث شكلت أشيقر في القديم مركزًا حضاريًا وعلميًا متميزًا عن سائر معظم مناطق نجد وبرز منها كوكبة من العلماء والكتاب الذين تولوا شؤون الناس ووثقوا معاملاتهم وتاريخهم وأوقافهم، حيث تم الانتهاء من ترميم المرحلة الأولى التي شملت المدخل الرئيسي للبلد والسوق التجاري القديم، كذلك المرحلة الثانية، التي شملت الأسواق الستة وهي: سوق المدينة وسوق المهاصري، سوق العصامية، سوق العقدة، سوق الصعيداء، وسوق المنيخ. وضمت هذه المرحلة ترميم بيت الشيخ عبد الله الجاسر الذي كان الجاسر يجتمع فيه مع الملك عبد العزيز ـ طيب الله ثراه ـ أثناء زيارته للبلد، كما تم ترميم بيت الشيخ إبراهيم بن عيسى المؤرخ المشهور، كذلك مسجد الشيخ سليمان بن علي المشرف جد الشيخ محمد بن عبد الوهاب، الذي يقع في سوق المنيخ بالشمال. وقد بادر كثير من الأهالي على حسابهم بالترميم والاعتناء بدور أجدادهم وإعادتها إلى هيئتها القديمة، وقد لقيت هذه المبادرات كل مؤازرة وإرشاد من لدن الهيئة العليا للسياحة، حيث قامت لجنة من الهيئة بزيارة للبلدة القديمة واطلعت على مراحل الترميم، ومن المؤمل أن تكون مقصداً سياحياً في القريب العاجل.
مدينة الذهب الأبيض
* أما القصب، فهي إحدى مدن منطقة الوشم التي تبعد عن شقراء بحوالي 35 كيلومتراً وكانت تعرف منذ القدم باسم «قصيباء» أو «القصبات» لتناثر مساكنها وطريقة بناء مساكنها المكونة من قصبات من الدور الدائرية في بنائها والمتباعدة عن بعضها، وقبل 700 عام سميت باسم القصب.
ويعد الملح «الذهب الأبيض» الثروة الحقيقية للقصب. ومكان إنتاج الملح يسمى (الجفارة) وهو عبارة عن حفرة كبيرة ولا تحتاج إلى أعماق بعيدة ولا يستخدم فيها الطين بالأحجار أو الخرسانة أي أنها تشبه ما يسمى باللهجة المحلية - الجفرة - ومنها اشتقت مسمى الجفارة ويتم إنتاج الملح بطريقة سحب المياه المالحة جدا من الجفاره وتبنى له أحواض كبيره تشبه إلى حد كبير أحواض زراعة البرسيم ثم تعبأ بالماء المالح المستخرج من الجفارة بواسطة مكائن ضخ وتترك عدة أيام لتتم عملية التبخر وترسب جزء من الماء في أعماق الأرض لتبقى بلورات الملح الأبيض النقي الذي يتم تجميعه وتجهيزه وتعبئته في أكياس مميزة تحمل اسم «ملح القصب» ويوزع تجاريا ولا يكاد يخلو محل تجاري منه.
و لا تكاد تذكر مدينة القصب، إلا ويذكر شاعرها ذائع الصيت حمد السياري المشهور بـ «حميدان الشويعر» المتوفى عام 1160هـ، الذي اشتهر برصده للحالة السياسية والدينية والاجتماعية في نجد إبان الدعوة الإصلاحية، وفتح الدكتور عبد الله ناصر الفوزان صفحات من شعر حميدان ووصفه برئيس التحرير، مشيرًا إلى أن حميدان الشويعر كان يصدر صحيفة شفوية مثيرة ذائعة الصيت والانتشار يتخاطفها الناس فور صدورها ويتبادلون قراءتها ورواية أحداثها، ويرفعون حواجبهم ـ غالباً- اندهاشا من شجاعتها وجرأة آرائها وحرارة أحداثها وأحيانا تضحكهم لشدة سخريتها. ولم يكن حميدان متكسبًا من شعره ولا محترفاً له، فقد كان فلاحًا فقيرًا له نخل صغير المساحة شمال القصب، ما زال قائمًا ومعروفًا لكبار السن من أهالي البلدة، وكان يعمل فيه وحيدًا طيلة يومه ويدركه الإجهاد أحيانًا فيضيق من وضعه وإذا حل الليل فك حزامه وأراح دابته من عناء العمل واستعد للعودة إلى البيت ليريح جسمه المنهك بضع ساعات قبل أن يعود إلى الحقل في فجر اليوم التالي، لكن كيف سيرتاح وتلك الهموم تطارده ليلاً ونهارًا؟ هموم المعيشة الشاقة وهموم الديون التي تراكمت على ظهره ولا يدري كيف يفي بها. إنه لا يملك في تلك الحالة وهو الشاعر الملهم إلا أن يعزف على ناي آلامه وهمومه الحاناً شجية يحاول بها أن ينفس عما في صدره ليخف الحمل قليلا، وتوافق حميدان الشويعر مع الحطيئة في الهجاء، كما استحضر في شعره اعتذاريات النابغة المشهورة عندما بلغ النعمان بن المنذر بعض الوشايات عن النابغة، لكنه تفوق على النعمان من حيث أنه لم يستسلم لممدوحه ولم يجعل هذا الممدوح ليلاً يدركه أينما رحل.
مدن وهجر وآثار
* وتعد «مرات» إحدى مدن الوشم وهي الملاصقة لجبل كميت المشهور من الناحية الجنوبية وكانت في القديم بلدة زراعية، حيث أحصيت فيها أكثر من مئة بئر، وتحتضن المدينة أماكن أثرية من أبرزها غدير كميت المعروف عند الأهالي باسم الجفرة وهو مكان تتجمع فيه السيول وتبقى مدة طويلة تحتفظ بمائها حتى موسم المطر من كل عام، كما يوجد بها قصر مرات وهو أحد القصور الكبيرة التي
أمر الملك المؤسس ببنائه قبل 80 عامًا وخصصه ليكون مقرًا للدوائر الحكومية المهمة آنذاك، كما يحيط بالبلدة سور عظيم بني على هيئة عروق من الجدران المتقاربة من الطين وأساسه من الحجر الكبير، كما توجد في مرات بئر الوليدي سميت بهذا الاسم نسبة إلى خالد بن الوليد، والمشيرف وهو عبارة عن أكمة جبلية مرتفعة تطل على المدينة من الجهة الشرقية يوجد بها سد تاريخي قديم، إضافة إلى معلم قديم عبارة عن بئر عذبة باردة تعرف باسم صداء، والشمس والشميسة وهما قريتان قديمتان، غار مرات وهو كهف أثري عليه كتابات قديمة جدًا ورسومات متعددة يؤمه الأهالي خلال نزهاتهم، واحتضنت مرات أول مركز بريدي ولاسلكي في المنطقة أسس منذ 85 عامًا.
وهناك بلدات وقرى منها أثيثية التي عرفت قديمًا باسم «أثيفية» وقال عنها ياقوت الحموي في معجمه: أثيفية قرية لبني كليب بن يربوع بن تميم بالوشم من اليمامة وأكثرها لولد جرير الخطفي الشاعر، وثرمداء وهي مدينة قديمة قيل إنها بلد امرئ القيس بن زيد مناة بن تميم وسميت بهذا الاسم لكثرة وجود شجر الحمض الذي يعرف في اللغة باسم الثرمد، وكانت تعرف قديمًا باسم بهدى وتضم المدينة معالم أثرية تمثلت في القصور التاريخية والأبراج. وتضم المنطقة بلدة قديمة لها تاريخها العريق وهي الجريفة وذكرها الحموي في معجمه بقوله: الجرفة وهي ماء لعدي بن عبد مناة بن أد، وتقع الجريفة في المصبات العليا للأودية الشمالية من الحمادة «روضة العكرشية»، حيث تلتقي عندها الرمال بالأودية في منظر جميل وجذاب. أما الحريّق فهي من بلدان الوشم القديمة التي يرجع عمرها إلى العهد الجاهلي وقد ذكرها البريطاني لوريمر قبل أكثر من مائة عام خلال رحلته إلى الجزيرة العربية، وقال عنها الحريّق على بعد حوالي عشرين ميلا شمال شرقي شقراء، المنازل والسكان أربعون منزلا لبني تميم، ملاحظً أنها قرية فقيرة بها قليل من النخيل وقليل من زراعة القمح.
أما الداهنة والصوح فهما بلدتان من بلدان الوشم أسسهما الملك عبد العزيز ضمن مشروع توطين البادية وإقامة الهجر في عهده، وهناك غسلة المعروفة قديمًا بذات غسل وهي مجاورة لقاعدة الوشم من الجنوب، وبلدة الفرعة، التي اشتهرت بكثرة آبارها وأوديتها وشعابها، وبلدة مشاش التي تتميز بوفرة المياه، ومن بلدان الوشم بلدة الوقف بالقرائن وسميت بذلك نسبة إلى بئر حفرت قبل 500 عام وجعلت وقفاً، الغرابة وهي حد الوشم الشمالي تعد تجمعاً سكانياً «هجرة».
شعراء وكتاب على مر العصور
* ومثلما أنجبت الوشم شعراء في العصور القديمة المختلفة منهم امرؤ القيس وعلقمة بن عبده وجرير وغيرهم من الشعراء، فقد أنجبت المنطقة علماء ومفكرين وكتاباً في العصر الحديث منهم: عبد الكريم الجهيمان، والشيخ صالح الحصين، الذي فاز بجائزة الملك فيصل العالمية في مجال خدمة الإسلام قبل أربعة أعوام والبروفيسور عبد العزيز بن ناصر المانع الذي نال ذات الجائزة في مجال الأدب العربي لهذا العام، وأبو عبد الرحمن بن عقيل الظاهري المفكر والكاتب والمؤلف المعروف، كما عدت الدكتورة نورة الفايز نائبة وزير التربية والتعليم لشؤون تعليم البنات إحدى بنات الوشم التي تسنمت هذا المنصب الرفيع قبل أيام ضمن قرارات تاريخية أصدرها الملك عبد الله طالت قطاعات هامة في البلاد..

0 التعليقات

إرسال تعليق